في ظل الأحداث الدراماتيكية التي شهدتها سوريا مؤخرًا، يثار تساؤل جوهري حول موقف إسرائيل من سقوط الرئيس السوري بشار الأسد وسيطرة المعارضة المسلحة، وعلى رأسها "جبهة تحرير الشام"، على الحكم في دمشق. هذه التطورات تكشف عن علاقة معقدة ومثيرة بين النظام السوري وإسرائيل، وبين إسرائيل والمعارضة السورية، حيث تتشابك المصالح وتتصادم الأهداف في مشهد سياسي وعسكري غاية في التعقيد.
سقوط الأسد: تحوّل غير متوقع أم نتيجة طبيعية؟*
بعد سنوات من الحرب الأهلية، دخلت المعارضة السورية دمشق وسيطرت على مفاصل الحكم، بينما فرّ بشار الأسد إلى وجهة غير معلومة، تاركًا نظامه يواجه مصيرًا غامضًا. الهروب المفاجئ للأسد يثير تساؤلات حول غياب الدعم الدولي والإقليمي الذي كان يُفترض أن يضمن بقاءه، وخاصة من إسرائيل التي لطالما تعاملت مع الأسد بحسابات معقدة.
العلاقة المركبة بين الأسد وإسرائيل
على مدار عقود، مثّل بشار الأسد ونظامه حالة خاصة بالنسبة لإسرائيل. فهو من جهة عدو لدود بسبب دعمه لحزب الله اللبناني وتسهيله نقل الأسلحة الإيرانية إلى الحزب، وهو ما شكّل تهديدًا دائمًا لأمن إسرائيل. ومن جهة أخرى، ظل الأسد يحافظ على هدوء الحدود مع الجولان المحتل ولم يحرك ساكنًا لاستعادة هذه الأرض السورية منذ أكثر من نصف قرن.
هذا التوازن جعل إسرائيل ترى في الأسد "عدوًا يمكن التعايش معه". إذ إن وجوده على رأس النظام السوري كان يُعد ضمانة نسبية لعدم حدوث فوضى على حدودها الشمالية. ولكن سقوط حلب وتقدم المعارضة السورية دون أي تدخل إسرائيلي لإبطاء هذا الزحف يشير إلى تغير في الأولويات الإسرائيلية، وربما قبول ضمني بسقوط الأسد.
إسرائيل والمعارضة السورية: تقاطع مصالح
على الجانب الآخر، تظهر تقارير تشير إلى تفاهمات بين إسرائيل وبعض فصائل المعارضة السورية، بما فيها "جبهة تحرير الشام" و"الجيش السوري الحر". هذه الفصائل، التي تعادي حزب الله بشدة بسبب موقفه الداعم للأسد، قد تكون شريكًا غير معلن لإسرائيل في تقويض نفوذ الحزب وإضعافه إقليميًا.
التقارير الميدانية تؤكد أن إسرائيل التزمت الصمت خلال تقدم المعارضة المسلحة وسيطرتها على المدن الرئيسية مثل حلب وحماة، ما يوحي بأن تل أبيب قد تكون رأت في سقوط الأسد فرصة لضرب تحالفه مع إيران وحزب الله، وقطع خطوط الإمداد التي تربط بينهما عبر الأراضي السورية.
حسابات إسرائيل.. بين العداء والبراغماتية
إسرائيل كانت دائمًا حذرة في التعامل مع الأزمة السورية. فالموقف الإسرائيلي لا يتعلق فقط بالأسد كفرد، بل بطبيعة النظام البديل الذي قد يخلفه. فالاختيار بين "المتطرفين الشيعة المدعومين من إيران" و"المتطرفين السنة المدعومين من تركيا" ليس خيارًا سهلاً. ولكن يبدو أن تل أبيب قررت في النهاية أن إضعاف حزب الله وإيران، حتى بثمن سقوط الأسد، هو الهدف الأكثر إلحاحًا.
تقرير مثير لصحيفة إسرائيلية
صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية طرحت سؤالًا محوريًا: هل لإسرائيل مصلحة في الإطاحة ببشار الأسد؟ وأجابت بأن إضعاف النظام السوري يصب في مصلحة إسرائيل، لكنها لا ترغب في رؤية نظامه ينهار تمامًا. فالأحداث الأخيرة، بما فيها هجوم "هيئة تحرير الشام"، أظهرت أن إسرائيل قد تكون مستعدة لقبول الواقع الجديد في سوريا إذا كان سيؤدي إلى تقليص نفوذ إيران وحزب الله.
تداعيات إقليمية ودولية
سقوط الأسد وإعادة تشكيل السلطة في سوريا يفتحان الباب أمام تحولات كبرى في المنطقة:
- *إقليميًا*: ضعف إيران وحزب الله يعني إعادة رسم موازين القوى في الشرق الأوسط، مع احتمالية تعزيز نفوذ تركيا والفصائل السنية المدعومة منها.
- *دوليًا*: المجتمع الدولي سيواجه تحديًا في إدارة مرحلة ما بعد الأسد، خاصة مع تزايد التدخلات الخارجية وتنافس القوى الكبرى على النفوذ في سوريا.
هل انتهت حقبة الأسد؟
ما حدث في سوريا خلال الأيام الماضية يشير إلى نهاية حقبة بشار الأسد، لكن التداعيات طويلة المدى لسقوطه لا تزال غير واضحة. إسرائيل، التي طالما تعاملت بحذر مع الأزمة السورية، تبدو الآن أكثر استعدادًا لقبول التغيير إذا كان يخدم مصالحها الأمنية والاستراتيجية. السؤال الذي يبقى مطروحًا: هل ستتمكن المعارضة السورية من ملء الفراغ الذي تركه الأسد، أم أن سوريا ستدخل مرحلة جديدة من الصراع والفوضى؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح الشرق الأوسط في السنوات القادمة.